TuL!B Admin
عدد الرسائل : 74 تاريخ التسجيل : 03/03/2007
| موضوع: اعترافات رجل: فيلسوف يغسل الصحون فـي المطبخ الأحد أغسطس 19, 2007 8:15 am | |
| جاءت شقيقتي وابنتها لقضاء أسبوع في البيت الكبير، أثناء الإجازة الصيفية الحالية· وشقيقتي تقيم في جدة، بحكم زواجها، ولديها من شروط الرفاهية ما يكفي ويزيد· لكنها لا تجد راحتها الحقيقية إلاّ في بيت أهلها، حيث ولدت ونشأت وتعلمت ألف باء الحياة· وهي حالما تعود إلى بيت أسرتها الكبير تأخذ نَفَسَاً عميقاً عند بوابة الدخول· ولولا الاستحياء لجثت وقبّلت أرض الدار·
أما "راما"، ابنة شقيقتي، فهي طالبة جامعية تدرس علم النفس، وأنا الذي اختار لها هذا الاسم، لأنني كنت معجباً بفتاة فلسطينية في سنوات مراهقتي، سمَّاها أبوها "راما"، بعد هجرة العائلة من رام اللّه· ولم تلتفت الفتاة إليَّ، لأنني كنت ولداً لا يملأ العين، لكن اسمها التصق بلساني في تلك المرحلة، وتوسلتُ إلى أختي أن تطلقه على وليدتها·
بعد ذلك، حين وقعت بين يديَّ رواية "راما والتنين"، للكاتب المصري إدوارد الخرّاط، تصوّرت أنّ "راما" المقصودة في الرواية هي حبيبتي التي ضاعت مني·· وأن ا"لتنين" هو أنا·
وعَـوْدٌ على بدء، فقد اعتدت أن أطلب من شقيقتي، عندما تأتي إلينا، طبخات محددة تجيدها وتتفوق فيها· وهي قد لبّت طلبي ودخلت المطبخ وطلبت من الشغالة أن تستريح أمام التلفزيون، ورفعت كمّيها على طريقة الصنايعية ومُصلحي السيارات، وحوّلت المكان إلى غرفة عمليات حربية، تتوزع فيها أكياس الأرز والطماطم والثوم والباذنجان وقناني الزعفران والبهارات وعبوات الهيل وجوزة البوّة وبذور الصنوبر وصفائح السمن النباتي، الذي كان انتقالنا إليها، والتخلي عن السمن البلدي، بمثابة ثورة كبرى فرضتها علينا الأمراض العصرية، التي بدأت تهاجم شرايينا ومكونات دمائنا·
ومثل جنرال متمرِّس، أشارت شقيقتي بإبهامها نحوي، فامتثلت وجئتها صاغراً وتسلّمت كيس البصل، وبدأت تنفيذ الأوامر والتقشير، الذي هو عبارة عن حفل مُرهق للبكاء والْمُخَاط· أعمل دقيقة وأهرع إلى حنفية الماء البارد، خمس دقائق، لأغسل وجهي وأفرك عينيَّ· لكنني صاحب الطلب وليس من حقي الاعتراض· ثم إنني أحب أجواء المطابخ العائلية وروائحها ومحتوياتها والحركة الدائبة فيها· هنا تولد الطيبات التي رُزقنا بها، نأكلها هنيئاً مريئاً·
ثم، وبكثير من الرقّة والحنيّة، أشارت شقيقتي إلى "راما" وطلبت إليها، يا روح ماما، أن تأخذ فتّاحة العلب وتفتح عبوة من حليب جوز الهند·· عبوة صغيرة في حجم الكف· لكن الأمر بَدَا وكأن راما تواجه امتحاناً عصيباً في الميكانيك، أو كأنها تتولى إصلاح قطار حاد عن السكة·
في كل مرة، كانت تحاول تثبيت فكي الفتاحة على سطح العلبة، وفي كل مرة كان الفشل يقف لها بالمرصاد، و تفلت العلبة من بين يديها أو تدور الفتاحة في الفراغ·· وسط ضحك شقيقتي واعتزازها بدلال ابنتها، التي "لم تدخل المطبخ من قبل"، وهلهلة والدتي ودعائها للحفيدة بالسعد والبركة·
أنا وحدي، الخال الفيلسوف، لم أجد الأمر يدعو إلى الضحك، بل إلى الشفقة· لقد هالني ألاّ تعرف شابة في الثامنة عشرة من العمر، أن تفتح قوطية معلّبات· شابة دخلت الجامعة وتريد أن تعالج النفوس المريضة المحبطة، وهي لا تعرف كيف تسيطر على أصابعها ولا تُجيد أي عمل يدوي· لا التطريز، لا الخياطة، لا مسح الأرضية، لا الطبخ، لا تلميع الزجاج، لا تثبيت زر في قميص، ولا الكيفية الصحيحة لحمل طفل لحديث الولادة·
قلت ذلك بصوت عالٍ فشجب وجه "راما"، بينما انتفضت والدتها للدفاع عنها· قالت إنها لم تُخلق للمطبخ، بل لكي تتعلم وتأمر وتنهَى وتتدلل! ماذا يفيد العلم يا ابنة أمي وأبي إذا فشل في فتح علبة حليب؟!
بعد أن تمتعنا بالوجبة الدّسمة اللذيذة، وشربنا الشاي، كبساً عليها، أخذ ا"لتنين"الذي هو أنا، "راما" الجميلة من يدها وانسحب بها إلى المطبخ· كانت صحون العشاء مصفوفة في الغسالة في انتظار ما بقي من كؤوس الشاي، استعداداً لكبس زر التشغيل الكهربائي·
وقفت أمام حوض الغسيل وبدأت أغسل بعض الأقداح بنفسي· قلت لراما إنني تعلمت ذلك أثناء دراستي في الخارج، مثلما تعلّمت الطبخ وكي الثياب وتنظيف البيت وسقي نبتة الريحان على حافة النافذة· قلت لها إنّ في الحياة علوماً كثيرة·· لكن هذه هي أساسياتها· إنّ الدكتوراه في علم النفس لا تغني عن حاجة الإنسان إلى طبخ طعامه وتنظيف نفسه·
منقول للفائدة
| |
|
emma-m-d مشرفة
عدد الرسائل : 21 تاريخ التسجيل : 14/03/2007
| موضوع: رد: اعترافات رجل: فيلسوف يغسل الصحون فـي المطبخ الأحد أغسطس 19, 2007 1:24 pm | |
| | |
|
TuL!B Admin
عدد الرسائل : 74 تاريخ التسجيل : 03/03/2007
| موضوع: رد: اعترافات رجل: فيلسوف يغسل الصحون فـي المطبخ الأحد أغسطس 19, 2007 2:24 pm | |
| | |
|
arkan
عدد الرسائل : 50 العمر : 32 Localisation : nablus تاريخ التسجيل : 11/05/2007
| موضوع: رد: اعترافات رجل: فيلسوف يغسل الصحون فـي المطبخ السبت سبتمبر 01, 2007 1:46 am | |
| مشكووووووووووووره تيووليب... | |
|